النظام الجزائري.. ووهم القوة !
صَرَف النظام الجزائري ما يزيد عن 350 مليون دولار عن استعراض عسكري دام ساعتين بمناسية الذكرى 70 لـ"الثورة الجزائرية". كل هذا المبلغ الضخم صُرف من خزينة الدولة، فقط، ليرسخ صورة عند الشعب الجزائري ممن تابعوا الاستعراض أن بلادهم "قوة إقليمية" على الجيران أن يهابوها!
وقبل هذا الاستعراض العسكري الذي توقفت من أجله الحياة في العاصمة الجزائر، وأغلقت شوارعٌ بكاملها، وغيّرت الخطوط الجزائرية برمجة رحلاتها لأسبوع كامل، وتوقفت مصالح العباد بسبب غلق خطوط المترو والحافلات.. كان الجيش الجزائري يتدرب لهذا اليوم الموعود لمدة ثلاثة أشهر بلياليها، وكان سلاح الجو الجزائري يقوم بطلعات تدريب طوال 90 يوما لـ 100 طائرة بين مروحيات عسكرية وطائرات إسناد ومقاتلا السوخوي التي تكلف كل ساعة تدريب ما يزيد عن 30 ألف دولار.
منذ الوفاة الغامضة لرئيس أركان الجيش الجزائري، القايد صالح شهر دجنبر من سنة 2019 وتعيين اللواء سعيد شنقريحة قائد القوات البرية خلفا له، أدخل النظام العسكري الجزائري البلاد في حالة إدمان رهيبة لاستعراض القوة العسكرية. وفي أغلب اللقاء الإعلامية التي يخرج من خلالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أو رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة لا يخلو حديثهما عن الحرب وعن الدمار وعن القوى العسكرية وعن الأعداء المجهولين ممن يتربصون بالجزائر.
المشترك في كل تصريح يدلي به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أو رئيس أركانه سعيد شنقريحة هو حديثهم الدائم عن المغرب، وكأن بهم يصلون كل يوم ليغير كويكب صغير في الفضاء اتجاهه ليضرب المملكة المغربية ويخفيها من الخريطة كي يزول الخطر عن "الجزائر القارة" ثالث قوة اقتصادية في العالم التي يعيشها شعبها في رفاه مُبين!
داخل الجزائر قد يصدق الشعب كل الخطب العصماء التي يغذيه بها الإعلام المحلي بشراهة مفجعة، وصلت إلى حد قتل الوعي بشكل مفزع عند شعب خرج في حراك طويل لما يزيد عن السنة (2019/2020) يطلب حقه في عَيش كريم وسلطة مدنية تخلصه من حكم العسكر بعد أن جثم على خيرات البلاد منذ انقلاب بومدين سنة 1965 على أول رئيس مدني، أحمد بن بلة، بمبرر "تصحيح مسار الثورة". لكن في الخارج ينظر لاستعراض الجيش الجزائري للأسلحة الروسية بكثير من "الشفقة" على دولة تستنزف خيرات الأرض من بترول وغاز على صفقات أسلحة بلغت في قانون المالية لسنة 2025 ما يزيد عن 25 مليار دولار، تستفيد منها بدرجة أولى الخزينة الروسية والصينية وبعض الشركات الإيطالية دون رؤية مستقبلية اقتصاديا وتنمويا تعود بالنفع على الشعب الجزائري الذي يعاني في صمت وخوف رهيب من الاعتقالات التي تجري كل يوم بقوانين لا تختلف عن قوانين "قراقوش".
على العقلاء إن بقي بعض منهم داخل السلطة في الجزائر أن يدركوا أن المنطق الذي يُسَيِّر به شنقريحة ومن معه الدولة، انتهى مع اختفاء الاتحاد السوفياتي من الخريطة. الجيش الذي لم يدخل أي حرب غير حرب الرمال سنة 1963 وخسرها أمام الجيش المغربي لا يمكن أن يبني عقيدته طوال 67 سنة على محاولة رد الدين للمملكة، أو العبث بمشاعر الجزائريين حينما يصدح بإسم غزة في استعراض عسكري، أو حينما يطلب رئيس البلاد بفتح الحدود لأن بلاده "لديها ما تفعله". هذا كلام صغير لا يبنى دول ولا ينفع أجيال ولا يؤسس لأمم.
التوجه إلى غزة مفتوح، وهناك مياه دولية يمكن أن تسير عليها غواصات الجيش الجزائري لتصل إلى غزة لقتال العدو الإسرائيلي بدون تصريحات عنترية. والعيش تحت جلباب العدو الخارجي ممثل في المغرب، يشبه نكتة لم تعد تضحك أحد. فأن ينام ويصحى نظام بكامل على صناعة الأعداء الوهميين وتعطشه لحرب بدون أن يطلق ولو رصاصة واحدة غير الرصاص الذي أطلق على الشعب الجزائري في "العشرية السوداء" جعل من هذا النظام لا يرى غير أرنبة أنفه، ومن لا يرى أبعد أرنبة أنفه يصبح أحول لا يرى شيئا!
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :